هند بومديان
منذ السابع من أكتوبر، تعيش غزة واحدة من أبشع المآسي الإنسانية في التاريخ المعاصر، حيث يتعرض أكثر من مليوني إنسان لحرب إبادة جماعية تُنفذ بدم بارد، في ظل صمت دولي مريب وتواطؤ مكشوف من قوى كبرى تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان.
خلال أشهر قليلة، حُصدت أرواح الآلاف من المدنيين، جلّهم من النساء والأطفال، وتحوّلت غزة إلى مدينة أشباح، تنهشها القنابل من السماء، وتطوّقها المجاعة من الأرض. المستشفيات خرجت عن الخدمة، والماء مفقود، والغذاء نادر، فيما تُستهدف المدارس والمخابز والمساجد دون أي احترام للقانون الدولي الإنساني.
الصور القادمة من غزة لا تحتاج إلى شرح:
أطفال يُنتشلون أشلاءً من تحت الركام، أمهات يحملن أجساد أبنائهن بعيون فارغة من الدمع، وأصوات استغاثة تملأ الفضاء دون أن تجد من يرد.
هي ليست حربًا تقليدية، بل عملية تطهير عرقي ممنهج، هدفها النهائي إفراغ القطاع من سكانه وطمس هويته. ومع ذلك، لم تتحرك الأمم المتحدة بشكل فعّال، ولم تفرض أي عقوبات حقيقية على القوة القائمة بالاحتلال. اكتفت الدول الغربية، التي تتغنى بشعارات الديمقراطية والعدالة، بإصدار بيانات باهتة لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
اللافت أن الشعوب، رغم وعيها وغضبها، ظلت عاجزة عن تغيير المعادلة.
خرجت مظاهرات هنا وهناك، ورفعت الأعلام، لكن آلة الموت ظلت مستمرة، مدعومة بالأسلحة والسكوت.
إن ما يجري في غزة اليوم لا يُهدد فقط شعبها، بل يُهدد مصداقية النظام العالمي بأسره.
فحين تُباد مدينة كاملة أمام الكاميرات ولا يتغير شيء، فإن الإنسانية كلها في خطر.
غزة تصرخ، لا فقط من الألم، بل من الخذلان.
والتاريخ لن يرحم هذا الصمت، لأن الصمت، في زمن المجازر، جريمة.