أمثال أمازيغية بمثابة نظم قانونية

عــلــي أحــمــان

رغم مرور عشرات القرون من حكم ثقافات أجنبية و سيطرتها على المحلية التي هي الأمازيغية، وغزوها لبلادنا، مستخدمة عدة وسائل مختلفة كالدين و السلاح و الاقتصاد.. من أجل محو الهوية و الثقافة الأمازيغية قبل ظهور الإسلام و بعده، و كذا الإقصاء التام  الممنهج لتلك الثقافة الأصيلة في مختلف الميادين كالتعليم و الإعلام بمختلف أنواع، و فرض ثقافات غريبة على المجتمع، ألا أن الثقافة الأمازيغية لازالت حية و نجحت فى البقاء فى الكثير من ثوابتنا و تقاليدنا و ممارستنا اليومية، و لا تستطيع أية قوة إيديولوجية قتلها وإلغاء ذلك الموروث الذي أنضجته معاناة الإنسان الأمازيغي منذ القدم، لأن كل جيل تسبقه أجيال تندثر عبر السنين وتبقى لنا مكوناته و تجاربه على شكل أمثال وحكم و قصص وشعر..

و من بين الموروث الثقافي الذي ورثناه من الأجداد، الأمثال الشعبية الأمازيغية و التي نعيش من خلالها كلما كبرنا ونقدر قيمتها، لأن التاريخ يعيد نفسه بشكل مختلف من الناس، بينما الوقائع التي قيلت فيها هذه الأمثال نعيشها في أي حقبة من الزمان. و قد تعتبر جزء لا يتجزأ من التراث الشفوي الذي يعد تركة عامرة بالعلوم و المعارف، و قد خلفه لنا أجدادنا و وارثته الأجيال، حيث لم يدع الأجداد أي حال من أحوال هموم الدنيا إلا ضربوا له مثلاً، يعبّرون بكلماته الصغيرة و القليلة و ذات مغزى كبير و عميق، و ذليل على ذلك هو المثل الذي يردده كثير من ناس الجيل الحديث يعترفون من خلاله على أن الأجداد الأوائل لم يدعوا للأجيال الصاعدة ما يقولونه من مثل جديد، يقول المثل الأكثر شهرة ما يلي : “ur udjin imzwura ma mi tt-alsen imggura”، و للإشارة فإن هذا المثل يبدأ به الشخص الذي يريد أن يستحضر مثلا ما في حديثه. و نظير هذا المثل الذي قيل حول الأمثال هناك مثل أخر حول الشعر و هو كالتالي:”  “ tar izli ur telli و معناه هو ” ليس هناك شيء من هموم الحياة  لم يتكلم عليها الشعر”.

  هكذا هو حال المثل الذي تكلم عن كل شيء في الحياة له علاقة بالإنسان، إنه تراث إنساني أنتجته تجارب الإنسان القديم نتيجة احتكاكه  بالأخر و بالطبيعة، و له وقع مؤثر في نفوس الناس، و يعد خزانا كبيرا لثقافة شعب و حضارة الإنسان الأمازيغي، حيث يحمل هذا النوع الأدبي في طياته الكثير من الدروس والعبر والحكم التي تفيد الناس في حياتهم وتزودهم بكثير من القيم والأخلاق، والعديد من الفضائل والخصال الحميدة و المواعظ، لهذا  يبقى ركناً مميزاً من تراث الشعب و عاداته، لذلك لا يمكن أن تندثر أبداً رغم نقص تداولها بالمقارنة مع مكانتها لدى جيل الأجداد والآباء، و رغم  تقدم مشروع أهل القرار الذي هو التعريب وطمس الهوية الأمازيغية الأصيلة..، لأنها جاءت “الأمثال” من حكايات وحوادث واقعية أو شبيهة بالواقع من حياتهم اليومية ومعاناتهم الخاصة أو من نسج الخيال التي يمكن أن نسميها ألأمثال الخرافية، وهي أمثال تدار على ألسنة غير الإنسان كالحيوانات و الطيور، و الأشجار والأشياء.. ، مثل المثل التالي :” innas mucc, ixx tjja”، و ترجمته المقربة إلى العربة هي “قال القط: أكره اللحم النتن”، هذه الأمثال  ظلت راسخة و مترسخة في عقول الناس و أذهانهم، وعندما يشيع الخبر أو القصة وحكمتها بين الناس تشيع أيضا على ألسنتهم وتصير مثلا يتداوله الناس ويتعظون به حيث نشأت في محيطنا الأمازيغي مع حياتهم وبداياتها الزمانية والمكانية وما زالت حتى اليوم لها قوة مؤثرة بين الناس ويتداو لونها جيلاً بعد جيل.

كثير من هذه الأمثال أصبحت شائعاً و مشهورة في المجتمع القبائلي، ويمكن لها أن تلعب دور القوانين الخفية التي تقف وراء الكثير من المواقف والأحكام المسبقة تجاه المجتمع، حيث هناك كثير من يستخدم بعض الأمثال و يلجأ إليها في بعض المواقف التي يمر بها أثناء الحديث بطريقة لا إرادية، و في النقاشات يوظفها كقوة إقناع في الحديث مع الآخر كدليل و حجة للدفاع عن الرأي و جعل الطرف الأخر يقبل الفكرة التي كان يدافع عنها، و يمكن أن نشبه ذالك بالمحامي حينما يستشهد بفقرة من أحد المواد القانونية، و يقول: ” يقول البند التالي من المادة كذا “، و لهذا نرى المتكلم يستند إلى مثل وكأنه بند قانوني.

 و هناك عبارات يستعملها الشخص الذي يريد أن يوظف في كلامه مَثلٍ ما، حيث يبتدئ بها في حديثه ثم يتبع لها المثل، وعندما نسمع لأحدى هذه الجمل من شخص فنعرف أنه يريد أن يثبت قوله بمثل ما، وتعد هذه العبارات كثيرة جدا من بينها ما يلي:

1- nnan imzwura:..

2- illa yan wawal dat ttinin imezwura :…

3- inna yas bu wawal :…..

4- nnan as ayt 3tta zman ….

5- ad irhem rebbi ighess n wadda ynna :…

6- isvha bu wawal dda ynnan :

7- ta ddex ami ynna bu wawal…

 

و الترجمة هي كالتالي :

1- قالوا الأجداد :…

2- هناك مثل يرددونه الأجاداد:…

3- قال صاحب المثل :….

4- قالوا أهل أيت عطا في قديم الزمان :…

5- راحم الله من قال :…

6- صدق صاحب المثل الذي قال:..

7- مثل هذا(..) يقول عليه المثل :…

 

كثير من الأمثال الشعبية تزخر بها الثقافة الأمازيغية، وهي تختلف من بيئة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر، وذلك وفق المعيشة والطبيعة الجغرافية التي يعيشها الإنسان، و من هذا القبيل نقدم للقراء بعض الأمثلة من أصل 2400 مثل الذي قمنا بجمعه منذ  سنوات. و رغم حصولنا على الكم الهائل منها، لازلنا نسمع كذالك لبعض الأمثال الجديدة من أفواه الناس، حيث يرددونها بشكل ببغاوي. هذه الأمثال لازالت متداولة عند مجتمع قبائل أيت عطا في الجنوب الشرقي، كما هو الشأن عند باقي قبائل أمازيغية أخرى، و يستند إليها وكأنها بنود قانونية كما أشرنا لذلك سابقا، و في ما يلي بعضها  و مقابلها بالعربية، ومحاولة استقراء مغازيها و مضامينها:

 

– ” tubedd l3ar, as tt-wattcan imkurar “، الترجمة المقربة بالعربية هي كالتالي: ” الشخص القريب منك، هو الذي يستطيع أن يأكلك السم “، هذا المثل عبارة عن نصيحة،  و معناه أن الأذى لا يأتي إلا من الأقارب.

 

– ” afus nnk ara-d ak ikksn aghtir kk-iwtn”، ترجمة المثل هي: ” يدك هو الذي يقلع لك الشوك الذي وخزك”، و يضرب هذا المثل في معرض الدعوة إلى الاعتماد على النفس في معالجة المشاكل الخاصة.

 

– ” atvar ittddun s uzir, ayd ikkat ughtir”، الترجمة الحرفية هي : ” لا يجرح الشوك إلا الرجل الحافية”، مراده هو : الحث على ضرورة اتخاذ الحذر و الحيطة.

 

– “ur da tt-dum tmara, ssvber ayd icqqan “، ترجمته حرفيا هي:” الصعب في الحياة هو الصبر، أما المحن لا تدوم”، و يستند إلى بيان ضرورة الصبر في الحياة في مقاومة المحن  و المشاق.

 

– ”  ur issin bu33u g ku33u “،ترجمته إلى العامية المغربية هي :” معارف يفرق بين الدجاج أو الغول” و يضرب هذا المثل للشخص الذي لا يعرف أن يميز بين الصالح والطالح.

 

– « unna mi yezwar rebbi, das itt-gru” أو “unna mi yezwar rebbi, ur da-t itt-agh l3ar “، ترجمته القريبة هي: “من كانت بدايته حسنة، لا يخاف من الأذى في النهاية”، و يضرب لبيان أن ما يبدأ بداية حسنة لا بد أن ينتهي نهاية حسنة.

 

– ” le3du n uskkin d askka”، ترجمته الحرفية بالعربية هي ” عدو عمل اليوم هو أن تؤجله إلي الغد”: هذا المثل عبارة عن نصيحة مرداه هو : ” لا تدع عمل اليوم إلى الغد”.

 

– ” ur da tt-mun sin xes ig isvber yan iwaytv” أو “ig tannayt sin mann, hat yan ayd isvbren “، ترجمته الحرفية هي ” إذا رأيت شخصين مترافقين فاعلم أن أحدهم يصبر للأخر”، مراده هو  الحث على ضرورة الصبر مع الأخر.

 

– “ku ykkat umzil itt-lmad memmis “، ترجمته الحرفية هي ” كلما يضرب الحداد بمطرقته و ابنه يتعلم “، يستند هذا المثل إلى بيان شخصين متشابهين في الأفعال و الأقوال.   

 

– ” 3enda n war ayt mas”، ترجمته الحرفية هي:” المعرض للخطر أكثر هو الشخص الذي ليس عنده إخوة “، يقال هذا المثل للشخص المظلوم الذي ليس له إخوة أو أصدقاء يساندونه في الدفاع عن النفس، و يستند إلى بيان مكانة الأخوة و الأقرباء في الحياة.


– “unna ysgidiyn awal, ighy ad iskirks ” ترجمته الحرفية هي : ” من يتكلم كثيرا، ربما يكذب “، يقال هذا المثل للشخص الذي يتكلم كثيرا و بدون معنى، و المثل الذي يمكن أن يراد فه هو : ” خير الكلام ما قل و دل”.

 

– ” unna ytt-inign ka, qnna-tt yaf “، ترجمته إلى العربية هي : ” من يبحث عن شيء سوف يجده”،  و معناه هو أن الشخص الذي يبحث عن شيء سواء كان خير أو شرا سيجده.

 

  – ” kix as tardast, itvme3 gg ighil “، ترجمته الحرفية إلى العربية هي ” منحته شبرا، و يطمع في الذراع” ويضرب هذا المثل للشخص الطامع، و الذي يرغب بالكثير ويطمع بالأكثر.

 

– “unna tnewwettv tsutt”، “، مقابل هذا المثل الأمزيغي بالعامية المغربية هو: ” اللي دارها ب إديه إفكها بسنيه”، يضرب في معرض الدعوة إلى الاعتماد على النفس في معالجة المشاكل الخاصة.

 

” yufa zzir tisemdelt nnes “، مقابله بالعامية المغربية هو “طاح الغلاق من سما و صاب غطاه “، يضرب في الاثنين المتآلفين اللذين يكمل أحدهما الآخر ويتلاءم معه.


–  ” 3emmi n bu lefdiht ayd ithechamen, ma bab nnes tehrem zares “، و ترجمته هي كالتالي : “يُحْرَج أهل المذنب من خطيئة ابنهم، أما المذنب نفسه لو كان يستحيي لما ارتكب الخطيئة”، و يقال هذا المثل للشخص الذي يرتكب الخطأ و يكرره مرات عديدة.

 

–  ” insa yiwn yitv g umda, ig yiws n 3emmi n igwra”، أي ” قضى ليلة واحدة في البِركة فانتسب إلى عائلة الضفادع”، يضرب هذا المثل للشخص المتنكر لأصله، و يقال فيمن تستحوذ على ممتلكات الغير دون وجه حق، و ينسب لنفسه أعمالا لم يقم بها و يدعي أمجاد غيره.

 

–  ” ur da yzella lasvl nnes xes igdi”، ترجمته بالعربية هي :”من يتـنكر لأصله غير الكلب”، و يقال للشخص الذي ينكر أصله و هويته.

 

– ” unna wer ak sselmiden ayt taddart nnek, tsslemd akt tzuyyi nnek” أو” unna wer-t lmitt g  taddart nnek, isslemd akt zzman “،ترجمته بالعربية هي ” يعلمك الزمان ما لم يعلمه لك اهلك”، يستند هذا  المثل إلى بيان التعليم من الحياة والتجارب.

 

– ” ur illi wmllal g igurdan ” ترجمته الحرفية هي: ” لا يوجد في البق من كان لونه أبيض”،  و مقابل هذا المثل هو المثل العربي التالي:” ليس في القنافذ أملس”، و بالعامية المروكية يقول المثل: ” ما ف الويل ما تخطار”.

 

” iggudey unna yjran, idruss unna yssenn “، ترجمته المقربة للعربة هي: ” كثير ما يحدث وقليل من يعرفه”، يضرب هذا المثل للشخص الذي لا يعرف أخبار الدنيا.

 

– ” tala as da trara tamettvuttv xef ighf nnes “، ترجمته الحرفية هي:” تدافع المرأة عن نفسها بالبكاء”، و نظير هذا المثل بالعربية هو: ” سلاح المرأة دموعها “، يبين هذا المثل قوة دموع المرأة وكيف تستطيع أن تستخدمها لتحمي و تدافع عن نفسها.

 

– “ur telli taddart tar lalla nnes “،  “، ترجمته المقربة للعربة هي: ” ليس هناك عائلة بدون امرأة”، و يستند هذا المثل إلى بيان ضرورة المرأة في كل منزل ومكانتها في بناء وتكوين الأسرة.

 

– “tamttvuttv amalu n urgaz ayttga”، ترجمته هي : ” المرأة ظل الرجل”، معناه هو أن الرجل لا يمكن أن يستغني عن المرأة و لا يستطيع فراقها، و يستند هذا المثل إلى مكانة المرأة في المجتمع.

 

– ” innas ufullus, sbedd igldan, rebbi ayd ittnaghn”، ترجمته هي “قال الديك حرك جناحيك، فالله هو المدافع”، و مثل خذا المثل يقول : ” innas mucc, ghir suf hat rbbi ayd ittnaghn”، بمعنى : ” قال القط انتفش فالله هو الدافع”، مراد هذين المثلين هو الحث على التوكل على الله في كل شيء، و عدم الاستسلام  حتى أمام عدو أقوى.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد