حادث مخيم رأس الماء… متى تتحول الوساطة التربوية والحماية الذاتية من تكوينات نظرية إلى ممارسة عملية؟

بقلم : عمر نجا

 

عرف الرأي العام الوطني مؤخرا جدلاً واسعاً حول ما وقع بمخيم رأس الماء من مظاهر وسلوكات وُصفت بالدخيلة على فضاء المخيم باعتباره مؤسسة للتنشئة الاجتماعية والتربية غير النظامية. وبغضّ النظر عن تفاصيل الحادث المدعى به، فإن الواجب يقتضي التأكيد على أن أي سلوك منحرف أو فعل شاذ يظلّ حالة فردية معزولة لا يجوز تعميمها أو إلصاقها بمجموع المنظومة التخييمية، ولا بجيوش الأطر التربوية والجمعوية التي تشتغل بجدّية ونكران للذات في سبيل توفير أجواء تربوية وترفيهية آمنة للأطفال واليافعين.

فالمخيم شأنه شأن الأسرة، والمدرسة، والمسجد، والحي… قد يَعرف سلوكيات استثنائية لا تعكس جوهر رسالته ولا تبخس قيمته التربوية. بل إن آلاف الأطفال الذين مرّوا عبر المخيمات الوطنية على امتداد عقود، يشهدون بكونها مجالاً لصقل الشخصية، وتنمية روح المواطنة، وتكريس قيم العيش المشترك.

غير أن هذا الحدث يطرح في العمق سؤالاً جوهرياً: ماذا عن مصير مخرجات العديد من التداريب التي أشرفت عليها الجامعة الوطنية للتخييم ووزارة الثقافة والشباب، في موضوعات غاية في الأهمية مثل: الوسيط التربوي، والمرشدون المتخصصون في الحماية الذاتية للأطفال؟ هذه التداريب، التي رُصدت لها ميزانيات معتبرة، وأُنجزت بتأطير خبراء وباحثين، لم تجد إلى اليوم مساراً عملياً لدمجها في البرامج الوزارية الرسمية لتأهيل الأطر التربوية العاملة بالمخيمات.

ألا يَحن الوقت إذن لتفعيل هذه البرامج وتوظيف خريجيها في صلب العملية التخييمية؟ أليس من الأجدر أن تتحول هذه المبادرات من مجرد تكوينات ظرفية إلى لبنات أساسية في تكوين المكونين، وفي التحصين النفسي والمعرفي للأطر، بما يعزز قدراتهم على حماية الأطفال والتدخل التربوي السليم عند بروز أي سلوك غير سوي؟

إن الاستثمار الحقيقي في المخيمات لا يقتصر على توفير البنيات التحتية والتمويل المالي، بل يكمن أساساً في بناء أطر تربوية محصّنة، متمكنة من آليات الوساطة، قادرة على حماية الناشئة من أي انزلاقات، ومؤهلة لترسيخ القيم النبيلة التي من أجلها وُجد المخيم. فالمستقبل التربوي للمخيمات مرهون بمدى قدرتنا على تحويل هذه البرامج التدريبية إلى ممارسات عملية، تحفظ للطفل حقه في التخييم الآمن، وللمجتمع ثقته في المخيم كمدرسة ثانية.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد